بقلم: منال عبدالله-خوري
غريب هو طبع الإنسانية كيف تهوى التملك وتعشق السيطرة. حتى عندما ندرك في كثير من الأحيان بأن ما نتشبّث به يؤذينا ويتعبنا، نظل رافضين فكرة التخلي عن أشيائنا… ربما لأننا نشعر بالأمان مع تفاصيل اعتدنا على وجودها، ففي الروتين طمأنينة واستقرار. معه نشعر بأن أقدامنا تلمس الأرض وخطانا ثابتة!! نخاف التغيير، ونخشى التخلّي.. نخشى ما يخبئه لنا المستقبل، إذ يبقى في منظورنا غامض ومبهم!!
كنت أراقب ذاك اليوم منطاد عملاق يقف شامخا بكبرياء في وسط حقل واسع الأطراف. كانت النيران تنفخ شرارها في داخله لتبقيه منتفخا، مغرورا، وزاهيا… بينما كانت العديد من الأكياس الثقيلة معلّقة حول سلّته الضخمة من كل الجوانب لتمنعه عن الطيران… وعندما أصبح جاهز للتحليق، قام صاحبه بتحريره من أوزار تلك الأكياس وثقلها، فكّ رباطها واحد تلو الآخر، وإذ بالمنطاد قد أخذ يهتز ببطء، فيتحرك، فيعلو عن الأرض… ها قد بدأ رحلة تحليقه، وبهائه، فطاف فوق العيون المنبهرة المحدّقة في ضخامته وهيبته… كم هو مشهد رهيب أن تقف تحت منطاد بهذه الضخامة وتراقبه بينما يرتفع عن قرب… حقا قد صُنِع المنطاد ليُحلّق… ليرتفع عن الأرض ويترك كل شيء وراءه… ولكن ليتمكن من الارتفاع، كان يتوجب على صاحبه أن يتنازل عن أوزاره وعن كل ما يربطه بالأرض!!
قد يكون من الصعب علينا ان نُحرر وان نثق بأن شيئا أفضل سيأتي.. نفضل أن نتشبّث بما نراه بالعيان، على أن نتمسك بإيمان غير منظور ومستقبل غير مرئي. لكن وصية الله واضحة، لكي نقدر ان نتقدّم نحو الأفضل علينا أن نترك ما يتعبنا ويُبقينا في حالة مستديمة من العياء والألم: “إِذْ أَنَا أَنْسَى مَا هُوَ وَرَاءُ وَأَمْتَدُّ إِلَى مَا هُوَ قُدَّامُ” (فيلبي 3: 13).
لقد جاء ليُعطينا الأفضل.. لقد نشلنا من طين الحمأة وأجلسنا مع أشراف الشرفاء لأنه أحبنا بشدّة… فلنترك ما يربطنا أرضًا ولنسمو نحو الأفضل، متكلين عليه إذ هو يعتني بنا، تماما كما وعد: “مُلْقِينَ كُلَّ هَمِّكُمْ عَلَيْهِ، لأَنَّهُ هُوَ يَعْتَنِي بِكُمْ’ (1 بطرس 5: 7). فالله وعوده ثابتة وأمينة، وهو ثابت لا يتغير: “أَنِّي أَنَا الرَّبُّ لاَ أَتَغَيَّرُ” (ملاخي 3 : 6)!
تذكّر، أنت لست بشجرة! لذا، عندما تشعر بأن الأشياء المحيطة بك بدأت تتعبك وتستنفذك طاقاتك، حرّر رباطها واتركها وراءك وحلّق نحو أفق أجمل، متكلا عليه وحده، فعنايته هي الضمان الوحيد الذي لا يزول ولا يفنى!