بقلم: منال عبدالله خوري
من أجمل عاداتنا العربية هي عادة جبر الخواطر. فعند موت عزيز وغالي على قلبك، فجأة تصغر الدنيا في عينيك، ويفيض الوجع والألم من داخلك حتى يطغى على كل شيء آخر فيك. إن فترة الحداد والتي تترواح من شخص لآخر في مداها وعمقها، هي من أصعب الفترات التي قد يمر بها أي شخص وأكثرها وحدة وظلمة! فلا أحد يستطيع أن يشعر بما تشعر أنت به من ألم، لأن المشاعر هي أمر نسبي وتختلف من شخص لآخر. ناهيك عن الذكريات الخاصة بك انت وحدك مع الميت. والمشاعر التي تصاحب هذه الذكرى، تتركك وحيدًا منفردا في فقدانك، وكأنك تجلس داخل غرفة مظلمة باردة وصغيرة دون سواك، تغرق في عالمك بينما يلسعك لهيب الاشتياق وحرقة الفقدان. وفي هذا الوقت بالذات، ليس أجمل من أن ترى وجوهًا تألفها روحك ونفسك، تأتي إليك في مصابك، وتسعى نحوك باهتمام ومحبة لتجبر بخاطرك المكسور وتسند ظهرك المقهور! إن هذه اللفتة البسيطة من قبل الآخر نحوك لها تأثير كبير في مفعوله على نفسك. فهي تدفئ احساس الوحدة فيك، وتبعث في النفس بريق من الرجاء والحياة في وسط ظلمة الموت وقسوته.
قد يتأفف البعض من هذه العادة المميزة، ولربما هم على حق في حال زادت عن حدّها وأصبحت عبء وثقل على كاهل الفرد الموجوع وأسرته وعلى الشخص المُعزّي ووقته، فخير الأمور أوسطها!!
وقد تظن انها بادرة بسيطة ومفهومة ضمنًا لمجتمع تقيده عاداته، ولكن بنظر المحزون وفاقد الغالي، هي لمسة حياة وبلسم شفاء وشعلة حانية في سرداب طويل ومظلم… فكن نور وحياة لمن هو مكسور الخاطر من حولك.. اسعى نحوه، طيّب بخاطره، وامنحه دفءًا هو في أمسّ الحاجة إليه!
فإن جبر الخواطر من أسمى وأجمل ما يمكن للمرء أن يقدمه لغيره.. وإن دلّ على شيء، فإنما يدل على سمو أخلاقك ونقائها!
يا صديقي، أمام رهبة الموت وحزمه، تتجرد الإنسانية من كل شيء وتصبح عارية. أمام الموت نصبح سيّان، وتصير كل الخلافات سخيفة وخاوية…! فلا أنت ولا أنا نعرف وقتنا أو نضمن عمرنا.
فلا تحقد، ولا تملأ قلبك بالضغينة .. لأن الكل باطل وقبض الريح! كن مستعد لتقابل وجه ربك بقلب نظيف. فالاحتواء ليس أن تطيل البقاء، بل أن تُجيد الحضور!
فلا تبخل على غيرك بالعزاء.
وبالأخير، كل إنسان يُسقى بما سَقى!
لا أراكم الله مكروهًا بعزيز