داوُد كُتّاب
هناك إجماع وطني فلسطيني وإجماع مؤيدي فلسطين في العالم ان الوجود المسيحي الفلسطيني في الأرض الفلسطينية عامل هام من عوامل استراتيجية التحرر الوطني. ومن المؤكد أن أهم عناصر البقاء على أرض الوطن وتقليص عملية الهجرة المضرّة للوجود المسيحي هو العمل والسكن. ومن الواضح أن المكوّن المسيحي ضمن الشعب الفلسطيني حقق نجاحًا واضحًا في مجال العمل، ان كان ذلك على مستوى المهني ( مثل الأطباء والمهندسين وأساتذة الجامعات وغيرها) أو على مستوى الاستثمار والعمل الحر.
لكن موضوع الإسكان يبقى موضوع قلق للكثيرين.
قبل عدة سنوات وفي مبادرة جيدة تم تشكيل جمعية اسكان في مدينة بيت ساحور تحت اسم “اسكان طائفة الروم الارثوذكس بيت ساحور – جبل الديك”. وتم تخصيص ارض لها من اجل بناء مساكن بأسعار معقولة تخدم المجتمع المسيحي المحلي من خلال توفير مساكن للعائلات وللأجيال القادمة أيضا. وقد تم تخصيص الأراضي له في مناطق تعتبر استراتيجية وطنيا بسبب موقعها الذي يحد من أطماع المحتل في توسيع مستوطنة هار حوما سيئة الصيت والمبنيّة على أراضي أهل بيت ساحور المصادرة على جبل أبو غنيم.
ولكن يبدو انه لسبب أو آخر فقد تعثر مشروع إسكان الأرثوذكس في بيت ساحور رغم الزخم الاولي للمشروع. فقد مرّت السنوات ولم يسمع المشاركون في المشروع ممن دفعوا عربونًا للمساكن ما هو سبب التأخير. كما لم يتم إصدار تقارير إدارية ومالية من المبادرين منذ مدة ليست قليلة. وهكذا تمر السنوات دون إيجاد الحلول والاهم دون بناء المساكن التي كان الجميع يتطلع لحدوثها.
يتوجب التعامل مع تعثر مشروع إسكان الأرثوذكس في بيت ساحور على أكثر من مستوى. فرغم وجود 140 عائلة تسكن في الاسكان الا ان هناك العديد من العائلات التي تنتظر رغم أنها دفعت المبالغ على الحساب ولكن الإدارة تهمل طلباتهم. وقد اثار التأخير في عقد الاجتماعات حسب النظام الداخلي الشائعات حول وجود منفعة شخصية لبعض القائمين على الإسكان. ولكن تلك الأمور كلها يمكن معالجتها لو تم تقديم تقارير ادارية ومالية سنوية كما هو الحال في أي جمعية مرخصة.
إن تجميد عقد الاجتماعات الدورية حسب القانون الفلسطيني والنظام الداخلي للاسكان يسبب ضررًا لمن يرغبون باقامة مشاريع مماثلة وقريبة من الاسكان الحالي، والتي قد تتطلب فتح شارع او اجراء عمليات ربط للمجاري وغيرها.
لكن الأمر الأكثر خطورة هو أن غياب الشفافية يسبب تردد لأي مشروع مستقبلي.
فالكنيسة التي وفرت الأرض يجب أن تحرك ساكنًا والبلدية التي رخصت المشروع يجب أن تطرح التساؤلات والشعب الذي كان يأمل أن يرى ضائقة الإسكان وقد وجدت حلًا (وان كان جزئيًا) يجب أن يطلب التفسير والاجابات لاسباب التعطيل ومن المسؤول وكيف يمكن تحريك الموضوع؟ فهل يُعقل أن الهيئة الإدارية لم تتغير او تتبدل منذ سنوات طويلة؟ أين وزارة الشؤون الاجتماعية والجهات ذات الرقابة مثل مؤسسة أمان وغيرها من هذه المخالفات بحق أعضاء الهيئة العامة للإسكان؟
من ناحية أخرى، من الضروري عدم الاستمرار في الاعتماد على مشروع واحد في وقت تحتاج فيه المدينة والمنطقة الى العديد من المشاريع الخيرية الاسكانية. فهذه المشاريع الحيوية- ان تمت- ستوفر للعائلات الساحورية وغيرها مساكن بأسعار معقولة. كما ان الحاجة ماسة لمساكن وفرص لتوفير إمكانية توسيعها مع مرور الزمان بعدما يتزوج الأولاد وقدوم الأحفاد. فهل يُعقل أن يتم الانتظار لحل مشكلة جمعية اسكان واحدة في حين لا يوجد تطور موازي في موضوع الإسكان من قبل آخرين؟

الموضوع هنا ليس الإسكان بمنظورة التجاري، بل الإسكان الذي يوفر مساكن معقولة بأسعار ممكنة لعائلات من الطبقة الوسطى والتي هي الأكثرية في مدينة بيت ساحور.
وقد زادت اهمية الامر مع رغبة العديد من العائلات المسيحية المقدسية بالسكن في بيت ساحور ومناطق أخرى بسبب الضائقة الكبيرة للمساكن في القدس والتي تزيد أسعار المنازل فيها اضعاف اضعاف المساكن في منطقة بيت لحم.
بالمجمل- لا بد من تحرك من قبل الكنيسة والبلدية والحكومة الفلسطينية ومؤسسات المجتمع المدني والقوى المؤثرة في المدينة لمعالجة موضوع الإسكان. ويتوازى ذلك مع المطالبة باعطاء التفسير والاجابات. كما من الضروري أن تقوم مؤسسات عامة مثل النادي الأرثوذكسي وغيرها بعقد ندوات يتم مناقشة موضوع الإسكان بصراحة وبدون خجل ولا وجل وبحضور كافة الأطراف لغاية إيجاد حل جذري لهذا الشأن الهام.