بقلم القس: بسّام بنّورة
يخاطب الرّب يسوع جموع المؤمنين به، أي كنيسته الحيّة والموجودة في الأرض، كل الأرض، واصفًا إيّاهم بأنّهم “ملح الأرض”. أي أنّ الرّب يسوع لا يخاطب جماعة المؤمنين الّذين رقدوا على رجاء القيامة وتركوا هذه الأرض، فهو يقول للكنيسة:
“أَنْتُمْ مِلْحُ الأَرْضِ،
وَلكِنْ إِنْ فَسَدَ الْمِلْحُ فَبِمَاذَا يُمَلَّحُ؟
لاَ يَصْلُحُ بَعْدُ لِشَيْءٍ،
إِلاَّ لأَنْ يُطْرَحَ خَارِجًا وَيُدَاسَ مِنَ النَّاس” (متّى ٥: ١٣).
يحمل وصْفُ الكنيسة بأنّها “ملح الأرض” عدة صور ورسائل مهمّة
ينتشر الملح في كل بحار ومحيطات العالم، كذلك على الكنيسة أن تنتشر وتتواجد وتخدم كل العالم.
الملح الخالي من الشّوائب أبيض اللّون، وهذه إشارة الى طهارة الكنيسة وخلوها من شوائب الخطيّة.
يكون الملح عادةً من أقل العناصر حضورًا عند إعداد الطّعام، ولكنّه اكثرها فاعلية. وهذا يعني بأنّ على كنيسة الرّب يسوع أن تكون فعّالة في خدمتها، وبغضّ النّظر عن عدد أعضائها.
يستخدم الملح في إعداد الطّعام والمخلّلات، وفي التّنظيف وصناعة الصّابون. وبنفس المعنى، فالكنيسة مدعوّة لخدمة الله والنّاس في شتّى نواحي الحياة، وخصوصًا في خلاص النّاس وطهارتهم من حياة الخطيّة.
وجود الملح يعطي الطّعام مذاقه ونكهته، ووجود الكنيسة في العالم يعطي جمالًا وبرًّا وقداسة ونورًا يقود النّاس في دروب الحياة.
وأهم وظيفة للملح هي حفظ الطّعام من الفساد، والكنيسة الحيّة تصلي وتعمل باجتهادٍ على حفظ العالم من نجاسة وشرور الخطيّة.
هذه هي الصّورة المثاليّة الواجب تواجدها في حياة الكنيسة، أن تكون ملحًا نقيًّا يعمل بفاعليّة في الارض.
من أجل ذلك يحذّر الرّب يسوع الكنيسة من فقدان ملوحتها، أي من سقوطها في مستنقع الفساد، والسّؤال هو:
كيف تفسد الكنيسة والّتي هي ملح الأرض وتفقد ملوحتها؟
1. عندما تبتعد عن طاعة وصايا الله، وعدم الخدمة والعمل بحسب إرادة الله.
2. عندما لا تمجّد الرّب يسوع المسيح، ولا تعطيه مركز القيادة والسّيادة والرّعاية في مسيرتها.
3. عندما لا تبشّر بإنجيل الخلاص لكلّ النّاس، ولا تدعوهم إلى التّوبة والرّجوع إلى الله.
4. عندما لا يظهر، وبالحريّ ينعدم، ثمر ومواهب الرّوح القدس في حياة أعضائها، وضياع الشّروط الكتابيّة لقادتها ورعاتها.
5. بالإهمال واللّامبالاة من قبل الكنيسة، وخصوصًا رعاتها، من القيام بدورهم في الرّعاية وتعليم حق الإنجيل.
6. عندما تساير العالم، وتتنازل عن حقّ الإنجيل المقدّس، وعن تعاليم وعقائد الكتاب المقدّس..
7. عندما تتمسّك بتعاليم ووصايا وتقاليد النّاس الّتي تتعارض بوضوحٍ صارخٍ مع حق الله في الكتاب المقدّس.
8. عندما تعمل وتركّز فقط على أداء الطّقوس والقيام بتنفيذ خدماتٍ معيّنة فقط.
9. عندما تخاف وتمتنع عن تعليم وقول الحقّ في وجه القوّة والخطيّة، وعندما تجامل العالم.
10.عندما لا تنخرط في العمل من أجل الحق والعدل والسّلام، وعدم مقاومة الباطل والظّلم والحروب.
11.عندما تنافق الأقوياء وأصحاب المال والنّفوذ والسّلطة، وعندما تصمت أمام الظلمٍ والفساد.
12.عندما لا يكون لها تأثيرٌ يذكر في حياة النّاس اليوميّة.
13.عندما تتهرّب من رسالتها ولا تُسَمّي الأشياء كما هي في حقيقتها.
14.عندما تكثر الوعظ والتّعليم عن المستقبل، أي عندما تصبح النّبوات والإجتهاد في تفاسيرها هي محطّ اهتمام الكنيسة الأساسي.
15.عندما تبتعد عن حياة الأمانة والإخلاص لربّها يسوع المسيح.
16.عندما يهتم قادتها بالنّجاح الأرضي، وبالحصول على المال والمركز والهيبة والنّفوذ والإعتبار والشّعبيّة من أهل العالم.
17.عندما تنقسم على ذاتها، وتسود الغيرة والحسد والكراهيّة والحقد بين أعضائها..
وهكذا، عندما تفقد الكنيسة ملوحتها، لا يعود النّاس يسألون رعاة الكنيسة عن اي شيء، بل يذهبون الى مصادر شتى بحثًا عن إجاباتٍ لأسئلتهم. وتصبح بناية الكنيسة مكان اجتماع وتسلية وتمضية وقت، ولا تعود مكان عبادة وتمجيد لشخص الرب يسوع.
وتصبح صلوات الكنيسة قوالب وطقوس وحركات جاهزة، أي لا تنبع من قلوب تحب الله وتعمل لمجد اسمه القدّوس.
ورغم حقيقة تعاليم الرّب يسوع عن إمكانية فقدان الكنيسة لملوحتها، فإن ذلك لا ولن يتسبّب في موت الكنيسة أو فنائها. فما يزال في العالم بقيّة تقيّة تعمل بأمانة لمجد الله القدّوس. وما يزال الرّب يسوع يبني ويحمي كنيسته، فهو الّذي وعدنا قائلًا أنا “أَبْني كَنِيسَتِي، وَأَبْوَابُ الْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا.” (متّى 18:16)